القائمة الرئيسية

الصفحات

lightBlog

News

"لوحةحلم"قصة قصيرة بقلم المبدع «علي حسين المقدي » |تورنيد مصر


لقد مضى أكثر من ساعة وعيناك تحدقانِ في صورة ذلك الشاب؛ رث الثيابِ، شارد الذهن. ما أستغربهُ أنك في كل تحديقة تدرف الدموع! أيعقل أنك تشفقُ عليه؟! يبدو أنها حقيقةً. وقفتك هذه كالصنم. ونظراتك توحي أنك قد عرفت سراً. هل أدركت أن الإنسان ضعيف. وما هو إلا مجموعة من المشاعر. وأنهُ قد يتعثر ويسقط ويتحطم وينكسر من كلمةٍ أو تصرف تافه، لا يلقى له بالاً.
إن انتقاص الأخرين، سلاح يصيب القلب. وينهش الفكر، ويشل الحياة في الجسد. إنه يقتل! لقد كنت بارعاً في استخدام هذا السلاح؛ لحماية كبريائك. تارةً بكلمةٍ وتارةً بنظرةٍ ساخرةٍ، من هاتينِ العينينِ. نعم من هاتينِ العينينِ انفسهما اللتينِ تملؤها اللحظة دموع الشفقة والعطف. اعذرني يا سيّدي، لم أضف شيئاً من عندي. فدعني ابرهن لك بذكر تلك القصة، التي حدثث لك في حصة اللغة العربية. إنها تلك اللحظة المشؤمة، عندما أتى إليك ذلك الطفل قائلاً: معلمي أنظرْ ماذا رسمتُ.. أذكر ذلك الوجه الوضاء والعينينِ اللامعتينِ فرحاً وأملاً. أذكر تلك الإبتسامة التي رُسمت على شفتيه، عندما ناولك لوحة الرسم خاصةً. أتعرف ماذا رسم. لقد رسم طفلاً يمسك بيد أمه. هل عرفت ماذا كانت تحتوي لوحة الرسم تلك؟ لقد كانت مبطنة بصورة حقيقية لذلك الطفل وهو يمسك بأمه. تم التقاطها قبل شهرين من وفاة أمه. هل خطر ببالك ما فعلت به. لقد رميت بتلك اللوحة على الأرض. وصرخت في وجههِ ساخطاً. وضربت الطاولة بقوةٍ؛ مما جعلك توقع الكأس المملوء بالماء. أتعرف أين وقع الماء؟ لقد انسكب مباشرةً على لوحة أُسامه وأتلفت رسمتهِ التي لم يكن يعنيه فشل أو نجاح محاولتهِ في الرسم. كم كانت تعني له صورة أمه التي افسدتها. لقد حطمت حلمه البريء، وجرحت مشاعره وكسرت خاطره.
لقد كان أُسامة يعد الصورة كنزه الجميل، الذي تختبي فيها روح أمه. كان يضعها كل يوم على وسادتهِ؛ لتحكي له أمه قصةً قبل النوم. كان يحتضن اللوحة كل يوم يحنُ ويشتاق لأمه. كان يهرول إليها في كل لحظة ضعف. أنه يحسُ بدفء أمه وحنانها ويستمد قوته منها. كم هو مسكين ذلك الأُسامة! ترى كيف كان شعوره؛ عندما يرى أمه تموت أمام عينيه مرةً أخرى. إلا تشعر بالاسى والغزي والعار. كان يكفي أن ترجع له اللوحة سليمةً. لو أنك فعلت ذلك؛ لما أضطررت للتحديق في هذا الشاب؛ الذي أثار شفقتك ودرف دموعك. لما رأيته هكذا. بهذه الثياب الرثة. وهذا التيه والشرود؛اللذانِ يلازمانه بضع ساعات ثم ما يبرح حتى يصرخ بائساً في الشوارع. ليبيع لوحات رسم فارغة والواناً. أتسمعه يصرخ بعبارته اليومية، منْ يشتري صورة حلمي، ليرسم صورة أمي. أظنك الآن أدركت جيداً ذلك الشعور.
عبد العظيم رضا
عبد العظيم رضا
عبد العظيم رضا : «مواليد ٢٠٠٠» أسماء أخري: "تورنيد مصر"الذئب الأزرق"تسع حروف" "القلم الفرعوني" الأعمال الأدبية: ١_كتاب ويبقي الأثر ٢_ديوان كالخمر ٣_كتاب قيد الإرسال ٤_ديوان مافيش بينا أسف ٥_ديوان بارادويا ٦_ديوان ميكروباص «أعمال فنيه:» ١_مسرحيه حلاوه وهنادي

تعليقات