- تسمعوا إيه يا شباب؟
رديت بسرعة:
-كايروكى طبعًا.
بصولى كلهم باعتراض، فقولت:
-إيه مش عايزين كايروكى؟ قولوا عادى.
ردوا كلهم:
-أيوه.
-واطيين.. خلاص شغلوا أى حاجة.
شغلوا أغانى -ده لو قولنا عليها أغانى- عبارة عن إزعاج ودوشة، مش عارف إيه اللى بيسمعوه دا! قال إيه اسمها مهرجانات.
بصيت حواليا بملل، لحد ما وقعت عينى عليها.. داخلة بشكلها الرقيق، لابسة فستان طويل وبسيط أوى لونه سماوى لايق مع بشرتها القمحاوية، أما شعرها الأسود الطويل مربوط بأستك على شكل ديل حصان كان واصل لآخر ضهرها.. قعدت على ترابيزة بعيدة عننا وهى مركزة فى فونها أوى.
قومت روحت ناحيتها، وأنا متجاهل أسألة صحابى عن إنى رايح فين.
وصلت عندها، فسحبت كرسى وقعدت وأنا بقول:
-دخلت واحدة شكلها غيرهم، باين أوى إنها مِش مِنهم! ♥
ردت بسرحان من غير ما ترفع عيونها من على فونها:
-أجمل واحدة من غير مجهود، لابسة عادى، شعرها مر..
قطعت كلامها، ورفعت عيونها السود من فونها، وبصتلى بتعجب.
-وقفتى ليه؟ كملى، مربوط بأستك، وسط ناس بلاستيك.
-إنت مين يا جدع إنت؟! وإزاى تقعد كده من غير ما تستأذن؟
اتجاهلت رد فعلها العصبى وسألتها:
-بتحبى كايروكى؟
-إنت أهبل بقى! قوم من هنا لو سمحت.
-إنتِ بتعملى إيه فى الفون؟ شكلك مركزة أوى.
-لا ده إنت بارد بقى! أقولك خليك إنت، وأنا هقوم.
قامت بعصبية ومشيت.. فقومت وراها وأنا بنده عليها:
-يا أنسة.. يا أنسة.. طب ممكن رق..
لفتلى بعصبية؛ فقولت ببراءة:
-رقم باباكِ.
مشيت وهى بتقول:
-يوه بقى.. إنت شكلك مش ناوى تجيبها لبر!
مشيت جنبها:
-اهدى بس، إنتِ متعصبة كده ليه؟
بصتلى بصدمة وقالت:
-والله!
-آه والله.. قوليلى اسمك إيه بقى؟ أنا زين.
-إنت عارف لو مسبتنيش فى حالى دلوقتى هعمل إيه؟
-إيه؟
-هصوت، وألم عليك أمة لا إله إلا الله.
-محمد رسول الله.
بصّت حواليها، حسيت إنها على وشك تتجنن منى، بس والله أنا كمان مستغربنى! مش عارف إيه اللى أنا بعمله ده؟! ولا إيه اللى جذبنى ليها من أول ما دخلت الكافية؟!
-إنت جاى تعلن إسلامك هنا! ما تسيبنى فى حالى بقى.
-ما أنا بقولك ادينى رقم أبوكِ وأنتِ مش راضية، بس خلاص اللى إنتِ حباه، هسيبك فى حالك.
مشيت بسرعة، ومن عصبيتها وقعت شنطها، وفى حاجات وقعت من الشنطة، روحت بسرعة أجبهالها ولفت نظرى بطاقتها، خدتها وقريت الاسم وكان اسمها "وعد"، أديتها الشنطة، فبصتلى باحتقار من فوق لتحت، وخدتها ومشيت.
استنيت لحد ما بعدت شوية، ومشيت وراها.. أكيد مش هسيبها، لازم أعرف أى حاجة عنها.. عرفت عنوانها، وقررت إن لازم أكلم أبوها.
رجعت البيت وكانت محتلة تفكيرى.. مش معقولة بجد! بساطتها تخطف! أو خطفتنى أنا.
دخلت قعدت مع أهلى، وفجأة بدون مقدمات قولتلهم:
-أنا ناويت اتجوز.
بصولى بتعجب من غير ما حد فيهم يعلق على كلامى، لحد ما بابا قال:
-إنت بتتكلم جد يا زين؟
-أيوه يا بابا.
بصيت ناحية ماما لما قالت:
-طب مين؟ حد نعرفه؟ أكيد بنت خال..
قاطعتها:
-لا يا ماما.. مش بنت خالتى خالص.
لقيت وشها اتغير وهى بتقول:
-أمال مين؟ بنت مين؟
- معرفش.
قال بابا بتعجب:
-إزاى متعرفش؟
-مش عارف والله.. هى بنت شوفتها وعايز اتجوزها.
بصّلى باستهزاء:
-ابنك شكله جاى يهزر يا مديحة.
-لا والله ما بهزر يا بابا، أنا شوفت بنت، وعرفت عنوانها، وعايز اتجوزها.
طبطب على كتفى وهو بيقول:
-طب لما تعرف أى حاجة عنها، أبقى تعالى قولنا يا حبيبى.
حسيت إنه بيتريق عليا، أو متأكد يعنى، فقولت بتحدى: طيب ماشى.
قومت من مكانى، وخرجت من البيت، روحت عند بيتها، حاولت أعرف أى معلومات عن أهلها من الجيران والمحلات اللى فى الشارع، وأعرف مين أبوها أهم حاجة، وإزاى اتواصل معاه، وقدرت أوصله، كان تاجر موبيليا فى الشارع.
روحت المحل، ودخلت وأنا بقول:
-السلام عليكم.
رد عليا راجل كبير بشوش:
-وعليكم السلام يا ابنى.
بصيت حواليا بتوتر، مش عارف أبدأ كلام إزاى، وفى الآخر قولت:
-حضرتك الأستاذ ياسر أبو الأنسة وعد؟
رد باستغراب وقلق:
-أيوا أنا، فى حاجة يا ابنى؟!
- لا.. لا.. مفيش أى حاجة، أنا بس كنت عايز أطلب إيد بنت حضرتك، وأخد معاد من حضرتك علشان أجى اتقدم أنا وأهلى.
قولت كده بدون مقدمات، مش عارف اللى بقوله ده صح ولا إيه؟! دى أول مرة أتحط فى موقف زى ده.
ملامحه هديت، وقال بابتسامة صغيرة:
-مُرحب بيك يابنى فى أى وقت أنت وأهلك.
اتكلمت معاه شوية، واتفقنا إن هروح اتقدملها يوم الخميس بعد يومين.
استنيت اليومين يعدوا بفارغ الصبر، كنت طول ما أنا فاضى ومعنديش شغل أحاول أراقبها وأعرف أى حاجة عنها.
لاحظت إنها كل يوم قبل المغرب بتروح تقعد فى كافية على النيل؛ لأن بيتها قريب منه، بتقعد لوحدها تشرب قهوة وتقرى كتاب أو رواية، وحقيقى تفاصيلها هادية وبسيطة أوى.
أخيرًا جه يوم الخميس.. كنت طول اليوم متحمس ومتوتر جدًا، ومع دق عقرب الساعة 8 كنت أنا وأهلى بندق باباهم، فتح باباها وقال بنفس الابتسامة الودودة اللى كانت على وشه من أول مرة شوفته:
-أهلًا يا ابنى، اتفضلوا.
دخلنا وقعدنا فى الصالون، ابتدى الكلام بين العيلتين، بس أنا مكنتش مركز معاهم خالص كانت عينى متعلقة بالباب مستنيها تدخل وبسأل نفسى يا ترى هتفتكرنى ولا لا.
سمعت بابا بيندهلى:
-زين! مالك يابنى؟
قولت بارتباك:
-لا أبدًا مفيش، كنت عايز حاجة؟
قال:
-الحاج ياسر كان بيسألك بتشتغل إيه، وإنت مش معانا خالص!
وجهت نظرى ناحية الاستاذ ياسر قبل ما أقول:
-حضرتك أنا بشتغل فى شركة أدوية.
سألنى:
-أنت خريج صيدلة؟
-أيوه.
سمعت ماما بتقول لأم وعد:
-إحنا مش هنشوف العروسة ولا إيه؟
مامتها قامت وهى بتقول:
-لا هندها أكيد، عن إذنكم.
خرجت وغابت دقايق، لحد ما دخلت مع وعد اللى كانت لابسة فستان بنفسج فاتح ومغيرتش حاجة فى شكل شعرها اللى عملاه ديل حصان غير إنها نزلت قُصة صغيرة على وشها وكانت حاطة ميكاب هادى، كانت جميلة بشكل يخطف، لدرجة إنى كنت على وشك أقوم من مكانى، بس لقيت بابا لحقنى وشدنى جامد علشان أقعد مكانى، وهو بيهمسلى بعصبية:
-إنت بتعمل إيه إيه يا متخلف إنت؟! اترزع هنا بدل ما أبوها يقوم يطردك!
مهتمتش لكلامه وفضلت مركز معاها، أما هى فرفعت عينها بتبص حواليها، لحد ما عينها اتوسعت بصدمة أما شافتنى، وقالت بهمس محدش لاحظه بس قدرت أفهم حركة شفايفها:
-إنت!
هزيتلها راسى بمعنى آه وأنا مبتسم ليها.
قال أبوها:
-أقعدى يا وعد، واقفة ليه يابنتى!
قعدت وهى لسه بتبصلى بصدمة، اتكلمنا شوية لحد ما بابا قال:
-طب نسيب العرسان لوحدهم؟
رد أبو وعد بترحيب:
-آه أكيد.
خرجوا كلهم وفضلت أنا وهى ببصلها ببسمة مستفزة، لحد ما قالت أول ما خرجوا:
-إنت إيه اللى جابك هنا يا جدع إنت؟! مش قولتلك ابعد عنى!
قولت ببساطة:
-وأنا قولت لا.
ردت بعصبية:
-لا ده إنت فعلًا مش ناوى تجيبها لبر وتسيب..
قاطعتها وأنا بقول بعقل وهدوء معرفش جبته منين:
-بصى يا وعد، أنا يا بنت الناس اتشديت ليكِ من أول ما شوفتك، وجيت دخلت الباب من بابه ودى كانت نيتى من الأول بس أنتِ مدتنيش فرصة أفهمك، فلو تسمحى تدينى وتدى نفسك فرصة.
ملامحها هديت، وقالت بهدوء:
-أيوه يعنى إنت عايز إيه دلوقتى؟
-نتجوز
-طب لو أنا مش موافقة؟
قولت بحزن:
-طبعًا ده قرارك ومقدرش أجبرك على حاجة، بس ياريت تفكرى قبل ما تقولى آه أو لا، أو أقولك صلى استخارة وردى عليا، اتفقنا؟
-ماشى، اتفقنا.
فرحت إن هى وافقت حتى لو موافقة مؤقتة ولسه هتصلى استخارة، بس المهم إن فى أمل، مشيت أنا وأهلى على إنهم هيردوا علينا بعد تلات أيام.
مر التلات أيام وأنا على النفس الحال براقبها علشان أفهمها أكتر.
وفى اليوم التالت بعد ما دخلت الكافية كالعادة دخلت وراها، روحت عندها وقولت:
-ممكن أقعد معاكِ؟
بصتلى لثوانى قبل ما تبتسم بهدوء وقالت:
-آه اتفضل.
شديت كرسى، حاولت افتح كلام، فسألتها:
-تشربى حاجة؟ قهوة كالعادة صح؟
بصّتلى بتعجب وقالت:
-عرفت منين إنى كالعادة بشربها؟!
حكيت شعرى بتوتر:
-مفيش يعنى، مجرد توقع.
-مممم، لا مش مصدقاك.
بصتلها شوية قبل ما أقول باستسلام:
-طيب هقولك، كنت براقبك الأيام اللى فاتت ولاحظت، بس كده.
ابتسمت:
-ماشى صدقتك، قهوة مظبوط بقى.
ندهت الجرسون وطلبت:
-اتنين قهوة مظبوط لو سمحت.
-حاضر يا فندم.
قال الجرسون كده قبل ما يمشى.
-قولى بقى، إيه اللى خلاك تتشد ليا من أول ما شوفتنى زى ما قولت؟
بصتلها بحيرة، أنا نفسى مش عارف إيه اللى خلانى انجذب ليها كده:
-مش عارف يا وعد، قبل ما أشوفك كنت بقول إن مستحيل أحب حد كده، وإن الحب بيجى مع العشرة والوقت بس، فى الأول بيكون قبول أو إعجاب مش أكتر، كنت مقتنع بالجواز الصالونات عادى، بس بعد ما شوفتك آمنت إن الحب بالخطفة، بالجاذبية اللى حسيت بيها أول ما وقعت عينى عليكِ، بكل التوهان اللى حسيت بيه، توهت فى تفاصيلك رغم بساطتها، مختلفة ببساطتك، مختلفة أوى كمان، لقيت رجلى بتقوم ناحيتك وبقولك الكوبلية اللى جه فى دماغى أول ما دخلتى الكافية.
ابتسمت وقالت:
-دخلت واحدة شكلها غيرهم، باين أوى إنها مِش مِنهم.
كملنا سوى فى صوت واحد:
-أجمل واحدة من غير مجهود، لابسة عادى، شعرها مربوط.
-لايقة عليكِ أوى، أنتِ فعلًا أجمل واحدة من غير ما أى حاجة وبشعرك المربوط بأستك.
فجأة رفعت إيديها وشالت الأستك اللى فى الشعرها الأسود الغزير الطويل؛ فاتفرد على ضهرها بشكل خلى نفسى يتحبس، قولت بدهشة:
-حصلت مفاجأة، فكت شعرها فجأة.
ضحكت بصوت عالى وبانت غمازتها وضحكت معاها، بعد كده حطت إيدها على خدها وقالت ولسه نفس الابتسامة الهادية اللى بتخطفنى على وشها:
-على فكرة أنا صليت استخارة، وقررت خلاص.
اتحولت نظراتى لنظرات متوترة:
-طب إيه قرارك؟
سكتت شوية، وأنا مركز معاها مستنى تقول قرارها، لحد ما قالت بعد دقايق ببسمة:
-على فكرة أنا غاوية الترحال يا ساموراى.
ضحكت وقولت:
-وأنا نفسى طويل يا مجننة الساموراى.
ضحكنا سوى، كان أحلى وقت قضيته فى حياتى اللى فاتت، وكنت متأكد إن هيكون فى أحلى منه كتير فى حياتى اللى جاية معاها.
"عِنْــدَمَـا الْتَقيْـتُـكِ.. عَلمْـتُ أنَّ للحُبِ كُـوْكَبٌ آخـر، كُـنتِ أنتِ جَـاذِبِيتـهِ، فعِنْــدَمَا اقْتَـرَبَـتُ مِنْـكِ خَطَـوُاتًا قَلِيلـةً؛ وَجَــدَتُنِى أُسْـحَبُ بُقُوةٍ نَـاْحيتـكِ رَغْمًـا عنىِ، أتِيِـهُ بيْـنَ تَفَـاصِيلـكِ الهَـادِئْـة، ويَعْلـمُ جَسـدى أنّٓـه آخِيـرًا وجد ذلك الضلْـعُ المَفقُـودُ منّـهِ. ♥🌍"
تعليقات
إرسال تعليق