- إرتاحِت، يا بختها.
- إزاي إرتاحت؟ دي مـاتِـ.ت مُـنتـ..حره، فِين الراحه في إنك تـ..مُوت مُـنتـ..حر؟
- وفين الرَّاحه في إنك تعيشِ موجُوعه رغم إنك مُؤمنه، فين الراحه بـإن شخص مُؤمن باللّٰه يعيش كأنه بلا رُوح؟
هو معاه حق، أصلًا المُـلـ...حدين هم الـ بيكُونوا مرتاحين، وعايشِين حياتهُم بالطول والعرض، معرفش إزاي، لكن بلاقِي الـ بيعملُوا الذنوب علىٰ المَلأ فرحانِين بـحياتهُم، فرحانين وبيلاقوا ناس تحبهم، بيلاقُوا ناس تدعمهُم، ناس تطبطب عليهُم لو زعلوا، بيلاقُـوا ناس معاهُم، ناس كتير جدًا.
إتنهد بـوجع وقال وهو بيقُوم يمشِي:
- أنا كمان، أنا كمان بفكَّر في الإنتحـ..ار، شكلِي هلحقها قريبًا.
كان خلاص قرَّب من سُور الـنيل فـجريت عليه بخضَّه، إتكلمت بـرجاء وأنا بحاوِل أواسِيه بـقدر المُستطاع:
- لأ، بالله عليك ما تِعمل كدا، بلاش تِخسر الدُّنيا والآخره عشان مُجرد وسوسة شيطان، إستهدىٰ باللّٰه، ربنا عالِم بالضِيق الـ إنتَ فيه، هو رحيم بـعبادُه جدًا، هو بيختبر صبرك، فـأُصبر.
قرَّب مني، بدء يلف حولِي كأنه بيلِف في دائره - أصبر؟ ما أنا صبرت، صبرت كتير، ودعيت كتير، قُلت يارب خفف عني كتير، وفي النهايه لازلت موجُوع، أنا زهقت من الدنيا، وأصلًا وجُودي مش هيفرق من عدمُه، وإنتِ كمان زيي بردُه، وجودك مش هيفرق من عدمُه.
- لأ..لأ أنا وجُودي فارِق.
همس بـجوار ودنِي الشمال - ولو كان وجودك يفرق بـصحيح كُنت هلاقيكِ قاعده بتعيطِ قُصاد النيل؟
همسُه كان بيدخل لـعقلي، بيلعب فِي مشاعري، بيخليني أسأل هو أنا فعلًا لو وجُودي فارِق مع حد، كنت هبقىٰ قاعده لوحدي دلوقتِ ببكي ومش لاقيه حد يقُول ليا متـبكِيش!
غمَّضت عيُوني بـعدم تصدِيق، مع إني مصدقه كلامُه، عارفه إن وجودي مش فارِق، لكن لازم أتمسِّك بالحياه، أتمسك بيها لـحد ما ييجي معاد مُـوتِي الـ ربنا كتبُه ليا.
- أنا عندي ناس بتحبني، أنا وجودي فارِق.
معرفش إزاي لكن لقيت تليفُوني في إيدُه، مد إيدُه ليا بـالتليفون، وقال بتحدي:
- طب خُدِي، إتصلِ علىٰ أي حد مُقرب منك وإحكيلُه إنك محتاجه تفضفصِ، إحكِي لأي حد إنك محتجاه دلوقتِ، وشُوفِ وجودك فارق ولا لأ.
أخدت التليفُون، ضغطت علىٰ سجِل الأرقام، ظهر لي أرقام كتير جدًا..جدًا، ونوعًا ما إطمنت لـكُتر الأرقام، أكيد في وسط كُل دول هلاقي ولو شخص واحِد مُهتم بـوجودي.
إتصلت علىٰ ماما، ودقيقه..إتنين..تلاته، وأخيرًا ردت:
- إي يا حبيبتي، عامله إي؟
- مش بخير يا ماما، مش بـخير.
ردت بـقلق - مش بخير إزاي؟ إنتِ كويسه؟ مش تعبانه يعني؟ مالك يا بنتي؟ مالك يا عِينيَّا؟
إبتسمت لُه بانتصار، ماما قلقانه، ماما بتحبني.
إبتسم هو كمان بـغمُوض - قولِ لها إنك محتاجه تتكلمِ معاها، قُولِ إنك محتاجه تفضفضِ.
- ماما، أنا محتاجه أتكلم معاكِ شويه، عايزه أفضفض لكِ.
- آه، تفضفضِ، إنجزِ عملتِ مُصيبة إي؟ درجة الإمتحان بتاعك وحشه صح؟ آه أكيد وحشه، ما إنتِ قاعده طول الوقت ماسكه التليفُون و..
قاطعتها بـضِيق والدموع بدءت تتجمع في عيُوني:
- يا ماما، أنا بقول لكِ عايزه أتكلم معاكِ، مخنُوقه وعايزه أفضفض لكِ.
- مخنُوقه؟ ليه يا أختي وراكِ عيال؟ ولا راجل؟ ولا بيت تهتمِ بـكل فرد بيه؟ مواركيش حاجه، أما أنا ورايَ حاجات، فـمتفَورِّيش دمِّي ببرُودك دا، قال مخنُوقه قال.
كنت لسه هرُد لقيتها قفلت السِكَّه، دمُوعي نزلت بـانهيار، فضِل يضحك بصُوت عالي، بصُوت مُخـيف يشبه أشـ..رار الأفلام، بس لأ، أنا عندي ناس كتير، زي رحمه مثلًا.
رحمه؟ رحمه أنا متخانقه معاها بقالي أسبُوع وفي خلال الأسبوع هي صاحبِت غيري.
طب خلاص، مش مُهم رحمه، أنا عندي شمس، لـكِن آه صحيح، شمس أول ما إتخانقنا راحِت طلَّعت أسرارِي الـ أمنتها عليها للدُفعه.
خلاص.. خلاص، مش مُهم بردُه، أنا عندي....، أنا معنديش حد، أنا لوحدِي، لـوحدِي.
أكِّد علىٰ كلامي وكأنه سمِع أفـكاري - معاكِ حق، إنتِ لوحدك، ولو إنتـ..حرتِ محدش هيهتم، محدش هيـزعل، لأنك ببساطه لـوحدِك.
وقِف علىٰ السور، فرِد دراعاتُه، بص لي وسألني:
- مش ناويه تيجي معايا؟ صدَّقيني هتـرتاحِ.
بدُون ما أسمع كلمه زياده، كُنت نطِّيت من علىٰ السور، و...وسلام.
إنتهىٰ المـشهد بـمُوتها، أما هو فـنزل من علىٰ السور، بص للسماء، وصـرخ بـسرُور:
- أنا برئ منها، أنا مـضربتهاش علىٰ إيديها، هي الـ كان إيمانها ضعيف، أنا برئ منهم، هم حتىٰ ملتفتُوش للآيه الـ بتقُول "لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين"، محدِّش فيهم بياخُد بالُه من "إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين"، هم مكانُوش مُؤمنين، غفَلُوا عن إنك رحيم، هم غفَلُوا وأنا عملت شُغلي، وسوست لهُم، وهـفضل أوسوس لهُم لـحد يُوم الحشر، وفي اليوم دا لما يلُوموني هقـول "إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، أنا مضربتش حد علىٰ إيدُه، هم الـغافلُون عن فكرة إنك الرَّحمٰن الرحيِم.
تعليقات
إرسال تعليق